18-Aug-2010, 02:57 AM | #1 |
مشرف المنتدى الإعلامي
|
هل تعرفون قصة " رمضان " ليوسف إدريس؟
تصّور قصة "رمضان" مرحلة (انتقال) طفل في العاشرة من عمره إلي عالم الكبار من خلال ممارسة طقس الصوم. ويلاحظ أن هناك راوي (حكّاء) خارجي قام بالسرد بضمير (الغائب)، موشّيا تياّر القص بأدق (تفاصيل) حركة طفل خلال مرحلة انتقاله إلي عالم الكبار من خلال ممارسة طقس الصوم. لكن هذا الانتقال لم يكن أبدا سهلا ميسرا، سواء داخل دائرة أسرته أو مع الدائرة الأوسع للعالم الخارجي. وأنظر إلي مفتتح القصة " كان فتحي (وهو طفل في العاشرة من عمره) ثائرا جدا علي الرجال الكبار، وعلي أبيه بنوع خاص، فمن حوالي ثلاثة أعوام علي ما يذكر ـ طلب من أبيه أن يصوم رمضان - فقال له أبوه: لا يصح قبل أن تبلغ الثامنة". وانتظر مجبرا عاما كاملا، وحين ضيق الخناق علي الأب، قال له "لا صيام لمن لا يصلي"، فكانت إجابة فتحي صريحة "انه حتما سيصلي". ولكن أنظر إلي الراوي الخارجي، الناضج، العارف بكل شئ يتدخل معقبا " وحسب أن الأمر لن يكلفه أكثر من الوضوء والصلاة، ثم يتاح له بعد ذلك أن يصوم، وكان فتحي في هذا متفائلا جدا، إذ لم يتح له أبدا أن يصلي كما أراد"، لأن أباه تشكك في وضوئه وخاف علي طهارة سجادته، فاضطر أن يذهب ليصلي في الجامع ؛ حتي يجبر أباه علي الاعتراف. وانظر إلي الراوي يلخص تجربته هناك: "وفي الجامع أيضا لاقي الأمرين. فإذا ذهب يتوضأ من الحنفيات ترك الرجال وضوءهم، ومضوا يترقبونه، ويتمنون له الخطأ. ويتدخل أحدهم قائلا : اغسل اليدين حتي المرفقين يا ولد.. فإذا غسلهما للمرفقين، تصدّي له آخر : يا ولد.. ذراعك الخارجي الذي غسلته لامس ذراعك الخارجي الذي لم تغسله.. أعد الوضوء.. ويعيد الوضوء مع أنه يكون متأكدا أن ذراعه لم تلامس ذراعه الأخري ولا قاربتها. أو قد يبتسم له شيخ ذو ذقن طويلة وابتسامة صفراء ويقول :انت استنجيت يا شاطر ؟!"، وإذا وقف ـ أخيرا ـ إلي الصلاة، دفعه الكبار إلي الصفوف الخلفية، "وإذا كان سعيد الحظ، ورضي ابن حلال أن يوقفه بجواره في الصف، فلا بد أن أحدهم سيخرج من صلاته ليقول له: ياوله.. انت بتصلي من غير طاقية.. امشي شوف لك طاقية عمي في عينك!!".
مواجهة بين عالمين هنا، موقف (خارجي) عام للكبار من الصغار، موقف طارد، يعتبر هذا النشء كيانا أدني، ليس له أن يتساوي معه. وانظر إلي الراوي، وهو (يتدخل) موضحا رؤيته لكيفية رؤية الكبار عالم الصغار " فالكبار يودون للأطفال دائما أن يحيوا حياة مثل حياتهم، حياة كلها جد وخطورة، فهم لا يلعبون ولا يودون لهم اللعب، وهم لا يستسيغون الصراخ والقفز، ولا يودون للأطفال أن يقفزوا أو يصرخوا بل يريدونهم دائما أن يظلوا جالسين مؤدبين متزمتين مثلهم ". وإذا كان ذلك ملمحا من رؤية الراوي (العامة) لهذه القضية، فانظر إليه وهو يدلي برأيه أيضا، في القضية (الخاصة) بالقصة، حول تأثير شهر رمضان علي الكبار: "وكان رمضان إذا جاء وأكل فيه الكبار وشربوا (ورمضان الذي هو شهر الصوم يأكل فيه الناس أكثر مما يأكلون في أي شهر آخر) إذا أكلوا وشربوا، تحدثوا وسهروا، وتناقشوا، وأصبحوا أكثر إنسانية، فليس غريبا إذن أن يسمحوا للأطفال أيضا باللعب، وبالبقاء خارج البيوت وقتا أطول". وكان طقس السحور يشغل خيال فتحي، خاصة حديث الأبوين، حين يعرج حديثهما "علي الأولاد ـ أي علي فتحي وأخوته ـ كان يتمني أن يتعثر بائع الزبادي الذي ينادي بصوته المزعج في الخارج ويسقط في حفرة، فيسكت، وأن يضرب جارهم امرأته آلتي تصرخ بصوتها الملسوع ولا تتوقف ويأمرها بالسكوت، وتصمت الدنيا كلها ليستطيع أن يسمع أباه وأمه وهما يتحدثان عنه. فأمامه في النهار، لم يكونا يتحدثان إلاّ ليلوماه أو يأمراه بإحضار شئ أو يشتماه، أما حديثهما من ورائه، وهما معتقدان أنه نائم، فقد كان يود بحياته كلها أن يسمعه، ويسمع المشاريع التي يدبرانها له". الحلم يتحقق وأخيرا، نال فتحي موافقة الأب علي الصوم، فانضم إلي أبويه، وتناول سحوره، "وكان أول سحور في رمضان وزاخر كالعادة بأطايب الأطعمة." لكن "مهما كان، فان فتحي لم يجد ذلك البريق الذي حرق خياله أياما وليالي، بل ناله ما يناله دائما إذا وجد في حضرة الكبار" من أوامر ونواه. هنا انتقال من أرض الخيال المجنح إلي أرض الواقع المجرد، من عالم لامحدود إلي عالم مقيد محدود، بكل ما يرتبط به من تعاليم الدين وتقاليد الكبار، وهو ماكان صعبا علي الطفل أن يستوعبه! ونام فتحي بعد ذلك، و"صحي متأخرا، بل استيقظ مبكرا، ولكنه آثر أن يبقي متناوما حتي يغادر الفراش في الضحي، كما يفعل الكبار تماما". وحين نهض أخيرا، أحس "أن شيئا كبيرا يملؤه وأن في فمه طعما قابضا". قد يتفسر الامتلاء بأنه شعور نفسي تلقائي نتيجة ممارسة فريضة دينية يمارسها الكبار، أما الطعم القابض فقد يرجع إلي تأثير الصوم! وحين حاول أن يحل اللغز مع اخوته الصغار، أدرك بإحساس الكبار أن هذا أمر لا يستحق اهتمامه، فنام مرة أخري، لكنه استيقظ " لأن شيئا أقوي منه أجبره علي أن يتململ ثم ينتبه ويصحو. كان الطعم في فمه قد تغير، وأصبح فمه جافا، يكاد يكون لاطعم له، وأحس لحظة أن فتح عينيه أنه عطشان". كان في عقله حقيقة واحدة: أن لا يسهو ويشرب. فقد حذره أبوه مرارا وتكرارا من هذا. وعاني كثيرا من العطش خلال ساعات النهار، "وبدأ فتحي حينئذ يفكر. بل هو في الحقيقة بدأ يتململ من الصيام ويدرك خطورة الطريق الذي اختاره، بل الذي تمناه وهفي إليه عدة رمضانات. بدأ يفكر ويقارن بين العذاب الخارجي الذي هو فيه، واللذة التي حظي بها ساعة السحور. وأيضا لم يقارن، فكل ما كان يشغله هو العذاب، وكل ما كان يبحث عنه هو المهرب ". تلقائية اللعب لعّل أهم ملمح في عالم الطفولة هو (اللعب)، الذي يمارسونه تلقائيا دون غرض فيستمتعون به أيما استمتاع، وهو يتناسب عكسيا مع (عمر) الطفل، حين تزيد مساحة اللعب كلما صغر عمره، ويتناقص انهماكه فيه كلما كبرُ لتزايد مسئولياته المكلّف بأدائها، كما أن هناك علاقة طردية بين اللعب ووجود الطفل في (بيئته) المألوفة، حيث يزيد لعبه خلال وجوده في بيئته التي تربّي فيها واعتادها ويقّل كلمّا ابتعد عنها. وقد يختلف الأمر بعض الشيء مع (فتحي) ابن العاشرة، حين شغله أمر الصيام فأبعده تلقائيا عن اللعب الذي كان اخوته يمارسونه، وإن حاول أن يلعب حتي تنقضي ساعات الصوم، ولأنه كان منذ زمن يريد أن يفّك المنبه، حتي يتفرج علي العدّة بداخله، فبدأ يفكه، لكن مسمارا استعصي عليه، فرمي المنبه، فسقط وتكسّر زجاجه. حدث ذلك حين خالف أهم قاعدة للعب، وهو أن يكون تلقائيا، دون غرض، فكان مآله الفشل! هنا، أيضا لحظة التقاء أخري بين الخيال والواقع، وبقدر ما كان الخيال يلهبه سعيا إلي تلك اللحظة، فإذا هو - بعد أن تحققت علي أرض الواقع - ينوء بويلات عذابها. لكن يظّل (خيال) الطفولة سادرا في فعله، فإذا هو يضخم انسياب الماء من حنفية المطبخ، ويفتح أمامه بابا للإغراء " كان الماء لا يزال يهطل بشدة من الحنفية ويدخل أذنه حتي خيل إليه أنه يشرب الصوت من خلال أذنه، فسد أذنيه، ومع ذلك ظل خرير الماء أو إبليس، يخترق أصابعه ويداعب أذنيه.. " ولنتوقف هنا، أمام الراوي، حين استخدم فعل (خُيل). قد يتفسّر ذلك بأن الراوي منفصل عن النص، بعيد عن عالم الطفل، لذلك احتاج إلي فعل (وسيط) مبني للمجهول، هو (خُيل) ؛ كي يمكنه أن يلج إلي (داخل) عالم الطفل، معبراً عن أدق خلجاته! في اللعب، أيضا، عنصر حاكم، هو سعة (خيال) الأطفال، الذي يسعفهم بتحويل كل ما يحيط بهم إلي نبتة من الخيال. وانظر إلي الراوي أيضا، وهو يستخدم ذات فعل (خُيل)، بعد أن اشتد العطش بفتحي أثناء صيامه، " وكان الماء لا يزال يهطل بشدة من الحنفية ويدخل أذنه حتي خيل إليه أنه يشرب الصوت من خلال أذنه " ؛ ويرجع تكرار نفس فعل (خيل)، إلي طبيعة الراوي الخارجي الذي يحكي القصة، ورغم أنه يعرف كل شئ عن الشخصية، إلاّ أن هناك مسافة تفصله عنها فيضطر إلي استخدام فعل خيل حتي ينقل إلي القارئ ما يعتمل في داخلها، حتي يجسم اشتهاء الطفل العنيف إلي الماء ليتحول فعل السمع إلي فعل خيالي بالشرب! الغواية ما أن أدرك فتحي أنه عطشان حتي ازداد عطشه، وكانت أمه في المطبخ واخوته لا يبدو لهم أثر، فحاول أن يتجاهل العطش، بأن يفك (المنبه) ويتفرج علي (العدة) التي بداخله، لكن مسمارا استعصي عليه فرماه، لم يكن يقصد أن يرميه، ولكن هذا ما حدث، فسقط من فوق المائدة، وتكسرت زجاجته، فجمع الزجاج المكسور، و(اخفي) معالم جريمته! وراوده الشيطان عن صيامه، حتي شرب فكان من الخاسرين، عندئذ برز دور (الخيال) ثانية، حين " ارتسم رمضان في عقل فتحي، هائلا في حجم الدنيا كلها.. يجلس علي عرش من ذهب وألماظ.. بعيدا.. بعيدا خلف الشمس.. ووراء النجوم والسحب.. يعرف دون أن ينظر من الفاطر ومن الصائم.. ويبطح الفاطر.. يلقي عليه حجرا يصيب منتصف جبهته ويسيل الدم ". لقد أفطر فتحي، ارتكب الفعل المحرم في (الخفاء)، تماما مثلما فعل حين كسر المنبه الذي حاول فكه، وأخفي معالم جريمته. لكن ارتكاب ذلك الذنب ظّل يطارده، وهو ما يرجعه علماء النفس إلي (تابو) الدين، الذي يعني التحريم أو الحظر، الذي يستند إلي حس ديني عميق متوارث، يدعمه قصاص حتمي لا يرد بمن يخرق هذا التحريم، حين يجد نفسه تحت تأثير خوف رهيب مبهم نتيجة قيامه بأعمال محددة تتمتع بتأثير مغر جذاب.وقد يظل الفرد يعاني من انقباض نفسي عميق، رغم أن أحدا غيره لا يعرف بفعله، يضاف إليه ذلك الخوف الرهيب من العقاب الفعلي، المنتظر، الذي سيقع عليه! هكذا ظل الصبي يعاني، وينتظر الكارثة التي ستحل به، حتي ضبطته أمه وهو يشرب، وانظر إلي الراوي ينقل مشاعر فتحي "فرح فتحي في قرارة نفسه لأنهم سوف يقولون أنه لا يستحق الصيام ويجعلونه يفطر، ويستطيع بعد هذا أن يشرب ويأكل دون عقاب أو وجل. ولكن المصيبة أنهم هذه المرّة قالوا أنه باظ، وضربوه علقه أرغموه علي الصوم بالقوة وراقبوا التنفيذ بدقة". كانت الشخصية الرئيسية في قصة "رمضان" لطفل في العاشرة من عمره يدعي "فتحي"، وهو اشتقاق من فعل "فتح"، ويقال فتح عليه أي هداه، أي أن الاسم يوحي بأن تكتب له الهداية والرشاد خلال انتقاله من عالم الصغار وانضمامه إلي عالم الكبار! لقد تمّ تدشين فتحي والقبول به عضوا (جديدا) في عالم الكبار، حينئذ يصبح عليه أن يتحمل تبعات هذا العالم الجديد، ولن تكون هناك أبدا عودة إلي الوراء، إلي عالم الطفولة، واللامسئولية! |
|
18-Aug-2010, 03:09 AM | #3 |
شخصيه هامة
|
[frame="9 50"]
الله يعطيك العافيه ابو سامي [/frame] |
عرفوهم من هو محمدصلى الله عليه وسلم
اكبرموقع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بين يدك [SIGPIC][/SIGPIC] WWW.Rsoul Allah.net |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الجميع ) الأعضاء الذين قرأوا الموضوع هم : 0 | |
عفوا لا توجد أسماء للعرض. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سامي يؤكد عبر "تويتر": هناك محاولات أخيرة لتقريب وجهات النظر عبدالرحمن بن مساعد: "التسريب" وراء إلغاء صفقة "نداي".. ودروغبا غالٍ | عايض المهيمزي | ◄ منتدى الرياضه والشباب ► | 2 | 03-Jul-2011 12:41 AM |
"كاسياس" :"ميسي هو أفضل لاعب في العالم حالياً .. ولكني سأفضل "تشافي" أو "إنيستا" !!! | الملك الكسول | ◄ منتدى الرياضه والشباب ► | 6 | 22-Dec-2010 02:28 PM |
استخدمها "دحيّم" في سكتم بكتم لزمة "يعني اني" تغزو المدارس و تؤكد تأثير دراما رمضان ب | شرقاوي | ◄ المنتدى الإعــلامي ► | 4 | 04-Oct-2010 02:57 PM |
"الجوال" و"البخاخ" وسيارات بلوحات مقلوبة حيل شبابيّة لمواجهة "ساهر" | محمد المهيمزيـ | ◄ المنتدى الإعــلامي ► | 18 | 02-Jun-2010 01:58 AM |