رؤوساء لا يحبون الكره

لست مقتنعاً تماماً بأن لعبة كرة القدم لعبة لا ضرورة أو مكان لها فى سباق رئاسى ساخن وصاخب وحافل بالصراع والتوتر والحروب والمفاجآت.. فلم يعد من الطبيعى أو المنطقى تغييب كرة القدم، فى مصر وأى بلد آخر، عن أى مشهد رئاسى أو سياسى أو اجتماعى وحياتى.. ويكفى التوقف أمام حملات كل السادة المرشحين للمنصب الأكبر والأهم فى مصر لنكتشف أنها أبدا لم تخل من كلمتى «استاد» و«ألتراس».. فكل مرشح ذهب إلى أكثر من استاد ليخطب فى الناس ويلتقى بهم.. وكل منهم شكل مجموعات الألتراس الخاصة به.. وهما بالتأكيد كلمتان ترتبطان بكرة القدم ولوازمها وثقافتها أيضا أكثر من أى مجال آخر فى حياتنا.. والمؤتمرات الانتخابية الكثيرة فى ملاعب الكرة وقوافل ألتراس المشجعين، التى استعانت حتى بالشماريخ، دليل على أن كرة القدم حاضرة مهما حاولوا تغييبها.. وقد أصبحنا أمام حالة تداخل سياسى كروى ظاهرة وواضحة ومؤكدة..

ولست هنا أعترض على هذا التداخل، بل على العكس.. أراه أمراً طبيعياً جداً وواقعياً أيضاً، نظراً لمزاج المصريين وهو أهم العام المعجون بكرة القدم وعشقها والغارق فى شؤون السياسة وشجونها، أملا فى حياة أفضل تأتى قريبا باستقرار وأمان وهدوء، تسمح بالأحلام ومحاولات تحقيقها.. وإنما أعترض فقط على أن المرشحين وحدهم هم الذين بقوا حتى الآن لا يحفلون بكرة القدم ولا يتحدثون عنها أو يشيرون إليها.. وأصبح من الضرورى الآن التساؤل عما دار ببال كل مرشح رئاسى وهو داخل أى استاد رياضى، وهل رآه مجرد ساحة ضخمة تتسع لعشرات الآلاف الذين جاءوا لرؤيته والاصغاء إليه، ووقف هو وسطهم يحاول اقناعهم بنفسه ورؤيته وبرنامجه؟. ونسى أنه فى ملعب كرة، فيتوقف ولو للحظة أمام أوجاع كرة القدم والرياضة المصرية بأسرها.. فلست أحب أن يتعامل السادة المرشحون الرئاسيون مع الكرة وملاعبها باعتبارها مجرد وسيلة لتحقيق مآرب أخرى تماما كما كان يراها النظام القديم، سواء كوسيلة للإلهاء أو التجميل والخداع..

فلم تشهد كل المؤتمرات الرئاسية السابقة، التى استضافتها ملاعب الكرة، أى إشارة للكرة.. ولو حتى من باب اللياقة والمجاملة واعتبار للمكان الذى يستضيف هذه المؤتمرات.. والذى أعرفه أن كل السادة المرشحين سبق لهم الحديث عن كرة القدم فى أوقات سابقة، حين كانت الكرة حديث الناس وشاغلهم.. ومنهم من مارس لعبها أو الفرجة عليها بغرام صادق وحقيقى، أو ولع زائف مجاملة واستغلالا لشعبيتها الجارفة.. ولكن الكرة المصرية الآن مسكونة بالأحزان والمواجع والمخاوف.. وربما كان هذا هو السبب الحقيقى فى فضح حقيقة عشق واهتمام وكلام هؤلاء المرشحين الرئاسيين، الذين كانت ستختلف إشاراتهم للعبة الجميلة لو كان الموسم الكروى مشتعلا وسباق اللعب دائرا محاصرا باهتمام الناس وأضواء الإعلام.. وقتها لم يكن هناك مرشح واحد سيذهب إلى أى استاد أمام الناس ويغفل أكثر من إشارة وحكاية عن كرة القدم فى حياته.. وربما يكون ذلك مؤشرا لمدى صدق اهتمام هؤلاء المرشحين ببقية قضايا وشؤون ومجالات حياتنا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا أيضا.. ولاأزال آمل وأناشد السادة المرشحين الالتفات إلى ذلك، والاعتذار عنه أيضاً.


وأتوقع أن كثيرين سيعارضوننى ويقولون إن هؤلاء المرشحين ليسوا مطالبين بالحديث عن كرة القدم فى مصر الآن، وهناك ما هو أبقى وأهم وأجدى وأحق.. وبالطبع لهؤلاء الحق فى الإشارة إلى قائمة من أولويات المصريين الحالية، التى ليس من بينها كرة القدم.. ولهؤلاء أيضاً العذر فى ذلك بعدما عاشوا سنوات طويلة داخل مصر لا يرون الكرة إلا وسيلة للإلهاء السياسى أو دعوة مجانية مفتوحة ومتاحة طول الوقت لممارسة الغضب والشغب والجنون والعنف.. فلم يشهد المصريون أبداً هذه اللعبة.. حتى فى أوج نجاحها وقمة انتصاراتها.. وقد تحولت إلى وسيلة حقيقية للبناء أو التنمية أو التصدى لأى أزمات أو مواجع إنسانية.. فلم يفكر أحد فى استخدام كرة القدم للفت الانتباه إلى فقر أو مرض أو حاجة لتعليم وعلاج داخل أى منطقة عشوائية أو أى مشكلة سياسية.