د/ بركات عوض الهديبان رئيس تحرير صحيفة الصباح في مقال رائع عن الكويت

(د. بركات عوض الهديبان)
الكويت صغيرة بمقاييس الجغرافيا ... كبيرة بمعايير الحكمة كتب د. بركات عوض الهديبان

من دون مزايدة او ادعاء، فقد قدمت الكويت خلال الايام القليلة الماضية نموذجا رائدا في التعاطي مع الازمات السياسية، وذلك في تعاملها مع الازمة التي نشأت عن تصعيد بعض الاطراف النيابية والحكومية العراقية ضد الكويت، على خلفية مطالبة بغداد بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية، في قضايا التعويضات والديون والحدود، وجاء الالتزام الكويتي بالتهدئة في هذه الازمة متناغما وعلى المستويات كافة، وذلك اتساقا مع دعوة حكيم الكويت سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في رسالته التي نقلها رئيس اللجنة الخارجية البرلمانية النائب مرزوق الغانم الى النواب بضرورة «التزام الحكمة والتروي» في معالجة الملف العراقي، ومن هنا التزمت كل المؤسسات - بما في ذلك الصحف ووسائل الاعلام - بأقصى درجة من درجات ضبط النفس وهي تتناول وقائع المشكلة.. ولو ساير النواب والصحف عندنا ما يصدر عن نواب عراقيين وصحف وفضائيات -وهي على كل حال قليلة بالقياس الى اخرى كثيرة تظهر حرصا واضحا على العلاقات الحسنة مع الكويت- لو سايرنا اولئك الذين يحاولون تصدير ازماتهم الداخلية الى الخارج على حسابنا، لدخلنا في سجال لا ينتهي ابدا، ولتعقدت المسألة أكثر وأكثر.
في هذا السياق جاء الاجتماع الذي عقدته امس لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية في مجلس الامة بحضور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ د.محمد الصباح، لمناقشة آخر تطورات الملف العراقي، وموقف الكويت في هذا الشأن، حيث ذكر الشيخ محمد عقب الاجتماع انه «بين للمجتمعين ان الكويت بلد حارب وبشراسة لاعادة العراق «الجديد» الى محيطه الاقليمي من خلال تبوئه مقاعد في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز» مؤكدا في الوقت نفسه ان العلاقات الكويتية - العراقية «طيبة جدا» ولفت كذلك الى مسألة مهمة جدا حين قال: «تحدثنا مطولا حول ضرورة منع الاصوات التي لا تريد تخريب العلاقات بين البلدين فحسب، بل تريد تخريب المسيرة السياسية داخل العراق».
تصريحات الشيخ محمد الصباح تؤكد ان «الحكمة والتروي» اللذين انتهجتهما الكويت -بتوجيه من سمو الأمير - لا يعنيان على الاطلاق الصمت او القبول بالممارسات التي تنتهجها بعض الاطراف العراقية التي تتربص الشر بالبلدين، فالدبلوماسية الكويتية تتحرك في اكثر من اتجاه، وزير الخارجية يلتقي نظيره العراقي هوشيار زيباري في لندن، والسفير الكويتي في بغداد علي المؤمن يجري مشاورات مع عدد كبير من القيادات الحكومية والبرلمانية العراقية، بينهم رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونواب رئيس الجمهورية وغيرهم.. وقد جاء اجتماع اللجنة الخارجية البرلمانية امس ليطمئن النواب الى سلامة التحركات الكويتية، والى ان دولتنا اعتمدت نهجا هادئا وعقلانيا في معالجة قضاياها، وربما يستغرق هذا النهج وقتا اطول، لكن المؤكد انه الطريق الاسلم والافضل لتحقيق اهدافنا، وهو ما اثبتته التجارب الكثيرة، والمؤلمة احيانا التي مرت بها الكويت.. ومن دون أي اغترار ايضا او لمز بحق الآخرين، فإن هذا النهج الكويتي «الحكيم» يمثل الآن درسا للجميع في التعامل مع الأزمات الخارجية، ونيل الحقوق عبر الشرعية الدولية، ممثلة في الامم المتحدة ومجلس الامن وسائر المنظمات الدولية الاخرى.
الكويت دولة صغيرة بمقاييس الجغرافيا.. نعرف ذلك ولا نزايد على احد فينا، كما ان احدا لا يستطيع ان يزايد علينا فيه، فلسنا الدولة الوحيدة في ذلك، لكننا نعرف ايضا ان الكويت دولة كبيرة بمعايير القيمة والاهمية ونظام حكمها الديمقراطي، والتزامها الحكمة والعقل والشرعية الدولية في التعاطي مع قضاياها، بعيدا عن اساليب «القبضايات» التي يريد البعض اشاعتها في منطقتنا، بعد ان باتت هذه الأساليب في حكم «الكائنات المنقرضة».