تعليم حائل.. هل يُراهن على الجواد الخاسر؟

التقيتُ أواخر الأسبوع الماضي اثنين من المسؤولين في تعليم حائل، أنا الذي نزعتُ من رأسي كل الرهانات على التعليم يأساً وإحباطاً وسأماَ، بعدما أيقنتُ أنه فقد بوصلته تماماً، وحفر آباره في أرض سبخة، جعلتْ منه مجرد ماكينة هرمة تعمل بضجيج مزعج، لكنها لا تُخرج سوى القليل من الماء، والكثير من الوحول، وبعدما أصبح للطلاب سلطتهم في تحديد مواعيد إجازاتهم رغم أنف الوزارة، وعلى حساب زمن المقرر المدرسي الذي يُفترض أن يُحسب بأجزاء الثانية، فهم يمطون إجازاتهم مثل سلك المطاط الذي تُربط به النقود أسبوعاً قبل الإجازة، وآخر بعدها على أقل تقدير، دون أن يتمكن أيّ من الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات الأخيرة من التصدي لهذه الصلاحية المغتصبة. استغربتُ من حماس هذين المسؤولين ورهانهم على تجربة بدأوا الإعداد لها لتطبيقها هذا العام، وقالوا إنهم اتفقوا عليها مع مدير عام المنطقة لإيقاف هذا السوس الذي بات ينخر في جسد الزمن المدرسي بحيث لم يبق منه سوى العظم. لم أشأ أن أجعل إحباطي يتسلل إليهم، فاكتفيتُ بالإنصات إلى حماسهم، ولم أطرح كل تساؤلاتي حتى لا يتثاءبوا معي، فقط قلت لهم : تأكدوا أن ما بأيديكم من الأدوات للحلول سيكون أقل بكثير من حجم المشكلة وتشعبات جذورها، لكنهم كانوا والشهادة لله يتدفقون حماساً بشكل لافت إلى حد أنهم بالكاد يلتقطون أنفاسهم.

هم يؤمنون وأنا أتحدث عنهم بصيغة الجمع على اعتبار أنهم ضمن فريق يتوسطه مدير عام التعليم الدكتور يوسف الثويني أن إحدى أهم مصائب التعليم الكبرى تتجسد بالدرجة الأولى بغياب الانضباطية، وعدم احترام الوقت، وهم محقون في تقديري، رغم أن مصائب التعليم في بلادنا أصبحت مثل مسبحة حاج أندونيسي تنتظم بتسع وتسعين حبة. حسناً، ولكن هل أنتم واثقون من جاهزية مدارسكم على مستوى التجهيزات والصيانة والكتب والمعامل وهيئات التدريس لاستقبال الطلاب منذ اليوم الأول؟، لم أسال عن مثالية البيئة المدرسية فذلك حلم بعيد المنال، وبقدر ما خفتُ من أن يُجيبوا بنعم، إلا أنهم قالوها، خشيتُ ولا زلت من أنهم يراهنون على جواد خاسر، لكنهم أردفوا تلك ال (نعم) بأنهم لا يطمعون بالانتصار على هذا الهدر بالضربة الفنية القاضية منذ الجولة الأولى، قالوا: يكفينا أن نحقق ولو بعض الانتصار هذا العام إن تعاون الناس معنا.

لديهم برنامج طويل وعريض وطموح قد لا تتسع هذه الزاوية لاستعراضه، فقط كان حلمهم أن يجدوا شيئاً من التجاوب من أولياء الأمور، قالوا: سنبدأ بأنفسنا، وسنلزم كل العاملين في قطاع التربية أن يوصلوا أبناءهم إلى المدارس في صبيحة اليوم الأول، ولن يسمحوا لهم بالانصراف منها قبل الساعة الواحدة، وأضافوا: سنلزم المعلمين بأن يبدأوا شرح الدرس الأول بعد انطلاق الصافرة الأولى دون تسويف، وسنطبق اللائحة بشكل حازم على الجميع، ورغم أنني لستُ من أنصار لغة فرد العضلات، إلا أنني شعرتُ أنهم كمن يُريد أن يدافع عن آخر ما تبقى من حصونه حتى لا يجد نفسه في عراء صحراء الضياع والتيه، وقبل أن نرتشف آخر جرعة في فنجان القهوة الذي جمعنا حتى برد، قالوا: هل تعتقد أن الإعلام سيقف معنا؟ لينبه الناس على خطورة هذا التواطؤ مع الطلاب في تضييع وقت الدراسة بلا ثمن؟، قلت: ولمَ لا؟.. هل تعتقدون أن الإعلام يُحاربكم لأنكم تحاولون؟، هو فقط يُحارب من يرفع الرايات البيضاء مستسلماً لفروض الواقع، ويُصرّ على ألا يدع المجال لغيره، متشبثاً بكرسيّه.

لذلك أتمنى أن نكون كلنا معهم فالأمر يتصل بمستقبل أبنائنا، ولنصفق لهم إن نجحوا وأوفوا بكل التزاماتهم، ثم لنحاسبهم إن أخفقوا.

ولننتظر.. إنا معهم منتظرو