نشأة التربية الفنية في المملكة العربية السعودية ~

نشأة التربية الفنية في المملكة العربية السعودية


بقلم الأستاذ / زيد بن علي زيد البريك


رئيس قسم التربية الفنية بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض


هناك أحداث ترسخ في أذهان الناس، خاصة من لهم ارتباط بالحدث، ولذا يقال أن بعض الأحداث لا تمحى من ذاكرة الأيام أو ذاكرة الأمم والشعوب . وإدخال مادة التربية الفنية في مراحل التعليم العام بالمملكة العربية السعودية عام 1377 هـ حدث لا ينساه الرعيل الأول من المشتغلين بالتربية الفنية والفن التشكيلي عموماً ، وكذلك المخضرمين منهم والجيل الجديد من المتخصصين الذين اطلعوا على تاريخ التربية الفنية بالمملكة .


قد يظن القارئ لهذه الأسطر أن هذا التاريخ هو البدايات الأولى لإدخال مادة التربية الفنية في مدارس التعليم النظامي بالمملكة ، والحقيقة خلاف هذا ، حيث إن البدايات الأولى للتربية الفنية في التعليم بالمملكة بدأت قبل هذا التاريخ بحوالي أربعين عاما تقريبا، وكان ذلك عام 1326 هـ عندما أدخلت مادة الرسم ضمن الخطة الدراسية في المدرسة الخيرية العارفية بمكة المكرمة . أعقب ذلك بفترة إدخال مادة الحرف التقليدية في مدارس العلوم الشرعية بالمدينة المنورة عام 1340 هـ . كما أدخلت مادة الرسم في المدارس التحضيرية بمكة المكرمة عام 1349 هـ وحتى عام 1354 هـ . يتضح من هذه الجهود المتفرقة في مجال تدريس التربية الفنية بالمملكة أن هناك وعي وإدراك مبكر من رجال التعليم بالبلاد بأهمية مادة التربية الفنية في جميع مراحل التعليم بالمملكة .


وكان لإدخال مادة التربية الفنية في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي أثر وانطلاقة كبيرة في برامجها توج ذلك بعد عام واحد فقط ، عندما افتتح الملك سعود بن عبدا لعزيز رحمة الله عليه أول معرض فني لمدارس المملكة في مدينة الرياض عام 1378 هـ . أعقبه العام الذي يليه مباشرة 1329 هـ المعرض الثاني والذي افتتحه وزير المعارض حين ذاك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله .


وتوالت السنين والأحداث والإنجازات في مجالات التربية الفنية حتى أطل علينا عام 1427 هـ معلناً مرور خمسين عاما على إدخال مادة التربية الفنية في مراحل التعليم العام بالمملكة ، وأعتقد أنه يحق للمنتسبين للتربية الفنية والفن التشكيلي بالمملكة الاحتفاء بهذه المناسبة .


لقد تزامنت هذه الذكرى مع عدة مناسبات هذا العام، فأقيمت فعاليات مسابقة الرياض الدولية الأولى لرسوم الأطفال ، والتي تخللتها ندوات متخصصة، ومعرض فني للأعمال المشاركة، إضافة لحضور الطلاب الفائزين من دول العالم المشاركة. ثم عقد الاجتماع الأول لرؤساء أقسام التربية الفنية بمناطق وإدارات التربية والتعليم بالمملكة، تلاها إقامة الدورة الخامسة لمسابقة الوطن في عيون أطفالنا، فبداية الإعلان عن منهج جديد في التربية الفنية والتي نتطلع لتطبيقها خلال العامين القادمين ، فتدشين موقع قسم التربية الفنية بالإدارة العامة للإشراف التربوي على الإنترنت .


إن هذه الفعاليات المتخصصة بالتربية الفنية والتي نفذت هذا العام كأنها احتفالية خاصة غير معلنة بمناسبة مرور خمسين عاما على إدخال التربية الفنية في مدارسنا .


كنا نحن المنتسبين للتربية الفنية نتمنى تنظيم مهرجان رسمي كبير لهذه المناسبة، يتضمن إقامة العديد من البرامج بجانب البرامج التي أشرت إلى إقامتها، كإقامة معرض فني يجسد مراحل تطور تعليم التربية الفنية ، وتنظيم المحاضرات والندوات المتخصصة، واستكتاب من لديه القدرة والمعلومة عن هذه الحقبة من تاريخ التربية الفنية الذي يمثل جزء من تاريخ التعليم بالمملكة، والإشارة للجهود التي قام بها الأخوة العرب الذين عملوا في الإشراف والتدريس فترة طويلة من الزمن، بجانب التعريف برجال التربية الفنية الأوائل من أبناء الوطن والإشادة بهم وبالدور الذي لعبوه حتى وصلت التربية الفنية إلى ما وصلت إليه، حيث غدا أبناء المملكة الآن هم وحدهم القائمين بجميع شؤون المادة تدريسا وإشرافا وإدارة وبناء مناهج .






نشأة وتطور التربية الفنية في المملكة العربية السعودية

بقلم/ د. طارق بكر قزاز


تؤكد الوثائق أن بداية التربية الفنية في المملكة جاءت بعدما أُقرت أول خطة للمناهج في المملكة العربية السعودية في عام 1947، وكان من بين المواد الأساسية في التعليم، في جميع المراحل مادة الرسم (وهو الاسم القديم لمادة التربية الفنية)، وكانت تدرس كنشاط وليس لها منهج أو خطة.

وقد واجه تدريس الرسم في ذلك الحين معارضة قوية من بعض علماء الدين، الذين احتجوا على إقرارها في برنامج التعليم العام، وكانت وجهة نظرهم أن الرسم هو التصوير وأن التصوير (بمعنى محاكاة صور ما خلق الله) محرم في الإسلام، إلا أن المسئولين لم يقتنعوا بحجج المتشددين من علماء الدين، وحاولوا إفهامهم أن مادة الرسم ليست التصوير فقط بل هي وسيلة للتعبير وتذوق القيم الجمالية في الأشياء وفي الطبيعة وأن هذه (القيم الجمالية) تنعكس على السلوك والأفعال عند المتعلم، وقد كان للملك عبد العزيز موقف حاسم تجاه عدم قبول رأي من تقدموا إليه بطلب منع تدريس الرسم في المملكة، وذلك لرغبته في مواصلة خطط التعليم بالمملكة.

ويوضح علي الزهراني أن أول المناهج المعتمدة للتربية الفنية في المراحل التعليمية المختلفة الابتدائية والمتوسطة والثانوية كانت قد وضعت بين عامي 1957و1958 وكانت قد أدمجت الأشغال الفنية مع الرسم وأطلق عليها في ذلك الحين مادة الرسم والأشغال حيث كان الهدف هو تدريب الطلاب على المهارات اليدوية في استخدام الخامات وتشكيلها، وتعويدهم على الصبر والمثابرة والثقة بالنفس. وفي عام 1962 تم تعديل مسمى المادة إلى مادة التربية الفنية وأصبح الهدف هو تربية التلاميذ وتعديل سلوكهم جمالياً وفنياً من خلال دروس الرسم والأشغال الفنية عن طريق التعبير التلقائي والرسم الخيالي والرسم من الذاكرة.

وفي عام 1974 ألغت وزارة التربية والتعليم تدريس التربية الفنية من مناهج المرحلة الثانوية العامة لعدم الشعور بأهميتها ولاستغلال وقتها في تدريس مواد أخرى، الأمر الذي أدى إلى عدم حصول الطلاب في المرحلة الثانوية على ثقافة فنية ملائمة تتناسب مع ما يقدم لهم في المواد الأخرى، وتوازي ما يقدم إلى أقرانهم في دول الخليج والعالم العربي. وفي عام 1984 أصدرت وزارة المعارف مجموعة من الأدلة الإرشادية الخاصة بمعلم التربية الفنية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، إلا أنه لم يتم إعادة طباعتها ليستفيد منها الخريجين المعينين في تدريس المادة على مدى الأعوام التالية. وكانت الرئاسة العامة لتعليم البنات قد أصدرت منذ عام 1975 كتباً لمادة التربية الفنية والنسوية توزع على الطالبات في المرحلة المتوسطة والثانوية، إلا أن محتوى هذه الكتب كان بحاجة إلى التحسين والتطوير المستمر.

وفي عام 1992 أصدرت وزارة التربية والتعليم منهجا جديدا للتربية الفنية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ظهر في شكل إطار عام يحتوي على الأهداف العامة للتربية الفنية والأهداف الخاصة في كل صف دراسي كما احتوى على توجيهات للمعلم حول إعداد الخطة واختيار الموضوعات التي من المفترض أن يحددها المعلم بنفسه، سواء أكان في جانب الرسم أو في جانب الأشغال اليدوية.