20-Oct-2009, 07:39 PM | #1 |
مشرف المنتدى الإعلامي
|
"أحلام من أبي": باراك أوباما في وجهيه الحالم والواقعي
لا يروي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كتابه "أحلام من أبي: قصة عرق وإرث" الذي نشره عام 1994 اثر نيله بعض الشهرة بعد انتخابه كأول رئيس أمريكي من أصل افريقي لمجلة "هارفارد لو ريفيو" سيرة حياته منذ الطفولة وحتى تاريخ إصداره للكتاب فقط، بل يقدم أولاً وأساساً قصة كفاح واثبات للوجود واكتشاف للذات وسعي لتحويل الحلم إلى واقع، ويقدم في المقام التالي سيرة فيها الكثير من العبر وقوة الإرادة والتعلم من الأحداث وقراءة الواقع كما هو، من دون التخلي عن الحلم الذي يعتبر المحرك الأول لتغيير هذا الواقع. ويختلط في هذا الكتاب-السيرة الخاص بالعام، التفصيل الحياتي واليومي المعاش بالقضايا الكبرى والعامة التي شغلت باراك أوباما وعلى رأسها قضية السود الأمريكيين بالدرجة الأولى، وتالياً قضية الأعراق الأخرى التي تشكل مجموع الولايات المتحدة الأمريكية، وقضايا اجتماعية كثيرة أخرى انخرط فيها، ومن خلالها تلمس فيها ببطء قضايا مجتمعه الملحة، مختاراً الأهم فالمهم، لكن أهم مايميز كتاب أوباما "أحلام من أبي: قصة عرق وإرث" بالاضافة إلى تركيزه على الحلم الذي حكم حياته، وحياة أبيه من قبله، والذي يعيد اكتشافه وتقدير دوره بصماته على حياته بعد موته، ويرجع إليه أفضالاً كثيرة ورثها عنه، هو دأبه وعمله ومتابعته وتدقيقه بكل ما حوله لاكتشاف الدقائق الصغيرة والآليات الناظمة لسيرورة الحياة الأمريكية، وقدرته على خلق نوع من التوافق بينها وبين أحلام افريقي مجرد من الشعور بالوضاعة فقط لأن لون جلده مختلف، لتجد هذه الأحلام الموروثة طريقها للتحقق.
يبدأ أوباما سيرته من اللحظة التي تلقى فيها اتصالا هاتفياً مقتضباً من عمته جين في نيروبي تخبره فيه بأن والده توفي بسبب حادث سيارة، وتطلب منه الاتصال بعمه المقيم في بوسطن وإبلاغه بالأمر، ويتوقف أوباما الشاب عند هذا الخبر، ليسرد ذكرياته القليلة عن والده المتوفي الذي لا يمثل بالنسبة له سوى شخصاً رآه لمرة واحدة، وقضى معه قرابة العشرين يوماً، وباستثناء تلك الحادثة لم تتعد العلاقة بينهما الكلمات التي تصل عبر رسائل في فترات متباعدة، تحمل النصيحة والحث على الاجتهاد، دون أن ترفق ولو مرة واحدة بحوالة مالية أو هدية، ولذلك لم تترسخ لدى أوباما صورة الأب الحقيقية، وبقي كمئات آلاف الأطفال الأمريكيين ابناً لامرأة عزباء عليها أن تؤمن له مصاريف العيش والدراسة، أما مابقي من صورة الأب في ذاكرة الطفل فليس أكثر من موتيف باهت، وصورة أكملتها الأم والجد والجدة عنه، ومن خلال قصص هؤلاء (الجد والجدة والأم) كوّن أوباما لنفسه صورة لهذا الأب القادم من أعماق إفريقيا في بعثة دراسية لأمريكا، ليتزوج امرأة بيضاء، ويعود إلى موطنه بعدما ولد طفله بقليل، في حقبة مفصلية من التاريخ الأمريكي، كانت فيها قوانين الفصل العنصري لا تزال سارية في بعض الولايات، وفي هذه الأجواء في منزل الجد والجدة حيث كان الحديث يدور عن الأب وقصصه، نشأ هذا الطفل الأسود في رعاية أسرة بيضاء، كانت تشكل قمة التناقض المحير في حياة طفل صغير يفتح عينيه على الحياة. ولم يكد الطفل أوباما يتعرف على جزء من المحيط الأمريكي، حتى وجد نفسه في اندونيسيا، بسبب زواج والدته من آسيوي هذه المرة، وهناك دخل عالماً غريباً من العادات والتقاليد والثقافة المختلفة، لكنه رغم ذلك بقي بعيداً عن المعاناة من المواقف العنصرية التي سيشهدها لاحقاً، والتي ستؤثر كثيراً في سيرة حياته، وتدفعه إلى البحث عن السود والاندماج معهم، بعد اكتشاف صيغة الأسود والأبيض التي كان السود يتداولونها فيما بينهم أكثر من البيض أنفسهم، مما أعطاه انطباعاً بأن هناك حواجز كبيرة وإن كانت غير مرئية بين عالمين، وخلال فترة مراهقته المتقلبة يمضي أوباما أيامه بين الاندفاع إلى عالم السود المراهقين، والمخدرات والفوضى، والشكوى الدائمة من هذا الواقع، وبين العودة إلى المنزل وإلى أحضان العائلة البيضاء، التي كانت تحنو عليه وترعاه، الأمر الذي جعله يعيش نوعاً من التناقض سيبقى حاضراً في كل تفاصيل حياته اللاحقة، فهو لم يكن باستطاعته يوما أن يكون الأسود المظلوم، والذي يلقي بكل آلامه وخيبات حياته على البيض، لأن صورة الأم والجد والجدة تبرز مباشرة وتحمل له النقيض من أفكاره. بعد تخرجه من الجامعة يروي أوباما هواجس دخوله معترك الحياة العملية (والتي اختبرها سابقاً من خلال مهن بسيطة مارسها كنوع من المساهمة في مصاريف الدراسة) وطبيعة المجتمع الأمريكي العملية، حيث اكتشف بعد مرور فترة بسيطة على عمله في احدى شركات التأمين أن ما يبحث عنه ليس هو ذلك الذي حصل عليه، وأن ما يحلم به هو العمل في منظمات المجتمع المدني التي سمع عنها لكنه لا يعرف ماهيتها، فينخرط في مراسلات ولقاءات وكتابات، تتحدث كلها عن حق السود في المساواة الكاملة، والعناية الصحية والاجتماعية، ومعالجة استفحال الجريمة والمخدرات بين مراهقي السود، وفي عام 1983 يقرر أن يصبح منظما للمجتمع الأهلي، بهدف تنظيم السود على مستوى القاعدة الشعبية لإحداث التغيير، فيدخل عالماً جديداً، فيه الكثير من الأحلام والقليل من الواقعية، وفيه من التمنيات أكثر مما فيه العمل لتحقيقها، لكنه يعتبر هذه الفترة هي الأهم في حياته، لأنه يكتشف في نفسه ليس القدرة على التنظيم فحسب، وإنما إمكانية إقناع الآخرين بأفكاره وشخصه، الأمر الذي سيشكل فارقاً كبيراً لديه بعد ذلك، ويدخله في معمعة العمل السياسي من خلال مؤسسات الحزب الديمقراطي، بعد اقتناعه بأن العمل السياسي المؤثر لا بد أن يمر من خلال إحدى البوابتين، الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وبعد فترة بسيطة من العمل في مؤسسة القس جيسي جاكسون، ومن ثم في حملة رالف نادر المرشح الأمريكي المستقل لمنصب الرئيس الأمريكي، ولأنه أسود فقد كان الحزب الديمقراطي خياره الأقرب، لينطلق صعوداً في السلم الاجتماعي والسياسي. وبعد مرور ثلاث سنوات من عمله في منظمات المجتمع المدني، وقراره استكمال الدراسة في هارفارد لتحقيق حلمه وحلم والده، يقرر زيارة كينيا موطن عائلة أبيه للمرة الأولى، ليكتشف العائلة والجد والأب الذي لم يعرفه إلا بما يكفي لتكوين صورة غائمة، وليعيد تشكيل صورة الأب بشكل أكثر واقعية وأكثر وعياً، ويكتشف في نفس الوقت أن لديه الكثير من الجينات الوراثية الشخصية المنحدرة من الأب البعيد جسداً، والموجود تكويناً وسلوكاً، ويشعر أن ما كان يسعى إليه، وطموحه الذي لا يحد، هو جزء من روح الأب البعيد الغائب، وحينها فقط يعي مقدار الخسارة التي تعرض لها بفقدان الأب المبكر، والذي اكتفى بعد علمه بوفاته بإرسال برقية تعزية برجل غريب عرفه يوماً من شخص غريب، ولم تكن تعني له هذه الوفاة شيئاً أكثر من أنها ستؤلم آخرين -قطعا ليس هو واحداً منهم- ويقضي الواجب عليه بإرسال برقية تعزية، وهو ماعتبره أكثر من كاف. شكلت زيارة أوباما إلى كينيا كما يعترف في سيرته عنصر التحول الأبرز في حياته –بعد تجربة شيكاغو كمنظم للمجتمع المدني- لأنه عرف هناك الدوافع وراء أحلام الأب والتي اكتشف أنه يحملها بالقدر نفسه، ووعى بؤس المجتمع الأفريقي والسود الأمريكيين بشكل خاص، كون أسلوب هؤلاء في الحياة الأمريكية لا يزال يحمل بصمات القارة الأفريقية من قبل بشر لم يعرفوها ولم يروها، ولم تكن يوماً حلما لهم، لكنها كانت موجودة دائماً في الدم والوجدان والسلوك، وبدأ يفهم هذا العالم المليء بالكثير من الشكوى والقليل من العزيمة وحب العمل، ويتكئ كثيراً على قصص التمييز العنصري الغير حقيقية وإن كانت موجودة على نطاق ضيق، الأمر الذي جعله (أوباما) يحمل أخوته السود المسؤولية الأكبر في تردي أحوالهم، ويعتبر أن الشعور بهيمنة البيض على حياتهم واستغلالهم، ما هو إلا إحدى مبررات الكسل التي اعتادها هؤلاء، وخاصة أن معظم من عمل معهم أوباما في التنظيم المدني -وهم من السود- كانوا لا يثقون كثيراً بالسود، وشكا العديد منهم من خيانة السود لأبناء جلدتهم. في سيرته يظهر باراك أوباما الشاب قبل أن يندفع في العمل السياسي البراغماتي الحقيقي، إنساناً حالماً أكثر منه واقعياً، فقد انخرط في حملات انتخابية كثيرة وتنقل بين اتجاهات مختلفة من الماركسية إلى الدينية، لكنه بمجرد أن وعى هدفه دخل في صلب العمل السياسي بحرفية لا تنقصها روح المبادرة، مدفوعاً بحافز شخصي وكبير كامن في أعماق روحه هو صورة الأب المكتشف بعد طول عهد، وأحلام هذا الأب التي اصطدمت في بلده كينيا بالبيروقراطية والقبلية، والمحاباة التي لم تكن من طبيعته، فارتفعت مرتبته الوظيفية حتى غدا معاون وزير، ثم انخفضت لدرجة أنه صعب عليه إعالة أسرته الجديدة هناك، وهي الرابعة في تعداد الأسر التي كونها، وكانت مع أمريكية أخرى غير والدة أوباما، فعلى مايبدو من كتاب "أحلام من أبي" أن هذا الوالد كان يتمتع بكاريزما خاصة محببة، وشخصية قيادية صارمة، منحت لأوباما الابن الكثير من الشعور بالواجب، والشعور بأهمية الذات. أهم ما يلاحظ في سيرة حياة باراك أوباما التي يرويها في كتابه "أحلام من أبي: قصة عرق وإرث" هو امتلاؤها بالكثير من اللحظات المشرقة والكثير من اللحظات البائسة، وخلوها من لحظات اليأس القاتلة، لأنها حياة كانت (وربما لاتزال إلى الآن بعد مرور خمسة عشر عاماً على نشر الكتاب، وانتخاب صاحبها كأول رئيس أمريكي من أصل افريقي في التاريخ) محكومة بالحلم، الذي لم يكتف أوباما بالركون إليه، والاستمتاع به كمجرد حلم، بل سعى واختار الطرق المناسبة لتحقيقه. الكتاب: أحلام من أبي: قصة عرق وإرث المؤلف: باراك أوباما المترجم: هبة نجيب السيد المغربي وإيمان عبد الغني نجم المراجع: مجدي عبد الواحد عنبة الناشر: منشورات كلمة/أبو ظبي - دار كلمات عربية للنشر/القاهرة الطبعة الأولى 2009 |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الجميع ) الأعضاء الذين قرأوا الموضوع هم : 0 | |
عفوا لا توجد أسماء للعرض. |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سامي يؤكد عبر "تويتر": هناك محاولات أخيرة لتقريب وجهات النظر عبدالرحمن بن مساعد: "التسريب" وراء إلغاء صفقة "نداي".. ودروغبا غالٍ | عايض المهيمزي | ◄ منتدى الرياضه والشباب ► | 2 | 03-Jul-2011 12:41 AM |
"كاسياس" :"ميسي هو أفضل لاعب في العالم حالياً .. ولكني سأفضل "تشافي" أو "إنيستا" !!! | الملك الكسول | ◄ منتدى الرياضه والشباب ► | 6 | 22-Dec-2010 02:28 PM |
باراك أوباما أصله سوداني واسمه "مبارك أبو عمامة | أبو سامي المهيمزي | ◄ المنتدى الإعــلامي ► | 0 | 15-Sep-2010 07:40 PM |
"الجوال" و"البخاخ" وسيارات بلوحات مقلوبة حيل شبابيّة لمواجهة "ساهر" | محمد المهيمزيـ | ◄ المنتدى الإعــلامي ► | 18 | 02-Jun-2010 01:58 AM |