|
04-Dec-2010, 11:13 AM | #1 |
عضو متألق
|
أصدقاء الأستاذ .. ؟؟
أصدقاء الأستاذ .. ؟؟
بخلاف والده كان سمير ينجذب إلى أحاديث الأستاذ رمزي ، فقد كان حضوره يضفي على الجلسة جوا من الإثارة ، فباعتباره صحافي و أديب ناشئ كان الجميع يتلهفون إلى سماع ما بجعبته من أخبار محلية كانت أم عالمية ، عرفها قبل غيره بحكم مهنته ، كان يلقيها دفعة واحدة ليتجنب فيض الأسئلة التي كانت ترهقه و تشتت تركيزه ، ثم يصمت إلى أن تتاح له فرصة الحديث في مجالي الأدب و الفلسفة فيصول و يجول ، و خاصة حول هذا النوع من الشعر الحديث الذي كثرت التعليقات حوله مؤخرا ، إلا أنه اقتنع به و تبناه و كتب فيه ، و قد أطلق عليه الأستاذ عبد الباقي اسم ( القرّادية ) و هو تعبير سمعه من أحد أساتذته تعقيبا على قصيدة غير موزونة نظمها أحد زملائه ، فظلت مثار تندر لفترة طويلة ؛ إلا أن الأستاذ رمزي أسماها الشعر المنثور ، ثم تم دمج الكلمتين في تعبير لغوي طريف : ( الشعنثة ) ، مما اثار تفكه أفراد الثلة في الأيام التالية فأخذوا يرددون : " جاء الشعنوث ، يا مرحبا بالمتشعنث ، إلقِ على مسامعنا شعنوثة يا أستاذ رمزي ؛ أو تشعنث الأستاذ رمزي فقال …" ؛ و يضحكون و يضحك و لكن الضحك سرعان ما يبدأ بالتلاشي عندما تفرض شعنوثته احترامها لصدق تعبيرها بصرف النظر عن جنسها الأدبي . و ألقى الأستاذ رمزي ذات مرة إحدى شعنوثاته بأسلوب عاطفي رقيق هز مشاعر الحضور و ظلت مراميها الفلسفية محور مناقشاتهم في الأيام التالية لما تنطوي عليه من تصوير موفق لحالة الإنسان خلال المرحلة التاريخية الحرجة من ثلاثينيات القرن العشرين ، قال : عالم من الذئاب و الحملان أين منهما موقع الإنسان ؟ لا هو ذئب و لا حمل بل تارة من الذئاب و تارة من الحملان و في الحالين ليس ثمة إنسان --- قطعان تهيم بلا بصيرة بأعين قريرة تحركها قدرية عمياء و إرادة بلهاء و غرائز غريرة و لكنها ، ليست أكثر من قطعان مغرورة تظن أنها الأجدى بالبقاء --- قطعان تردد أنشودة السلام حيث لا سلام فاللحن تعزفه ألسنة النار و من هنا أزيز رصاصة ومن هناك قصف أو انفجار و الرائحة بارود عابق أو غاز خانق أما الخلفية فخرائب مخضبة بالدماء و جثث من العروق كلها صفراء و سمراء و بيضاء --- قطعان تحركها قدرية عمياء تهيم ببلاهة و تندفع بشراهة تنشر الخراب في كل مكان أو تتجرع الكوارث و الأحزان --- قطعان تتحدث باسم السلام و الحرية و نشر الحضارة و المدنية و في جوفها همجية و عقيدة بلهاء بأنها الأجدى بالبقاء --- و بعد أن تطرق الأستاذ رمزي إلى دعاوى أسياد العصر اليوم و تشدقهم الزائف بالسلام ، و كيف أنهم جعلوا من عصبة الأمم أداة لتحقيق أطماعهم ، تطرق إلى أهدافهم الحقيقية و المتمثلة بنهب ثروات العالم لينعشوا بها شعوبهم التي يعتقدون أنها الأجدى بالبقاء . كان أول المعلقين الشيخ خالد و هو قاض في المحكمة الشرعية ، قال مشيدا بما سمعه : - لعمري إنه لشعر رائع لولا هذا التصرف بالأوزان و القوافي ، و لو أنك بذلت جهدا يسيرا لكانت شعرا و فق ما نعرفه من أصول الشعر " . أجابه الأستاذ رمزي : - لو لم يكن كذلك لما كان لونا جديدا ، لقد حذرتكم منذ البداية بأن ما تسمعونه هو فن قائم بذاته ، يطلق الفعالية التعبيرية على سجيتها لتصور و تبدع بإحساس الشاعر و الفنان ؟ ابتسم الجميع معبيرين عن قناعتهم بوجهة نظر الأستاذ رمزي حول الشعنثة إلا راشد أفندي الذي ظل يقهقه بينما اهتز جسمه المترهل و قد سالت بضع قطرات من دمعه مكملا تأثره بالاختراع الجديد كما أسماه مع أنه سمع التعبير للمرة العاشرة على الأقل . و راشد أفندي هو سكرتير الأستاذ عبد الباقي ، و فيما عدا ساعي المكتب حامد ، فهو موظفه الرئيسي ، مدير المكتب للشؤون الإدارية و المالية ، الصالح لجميع المهام بما فيها تسجيل الدعاوى في المحاكم و متابعاتها الإجرائية و تنظيم مقابلات الزبائن و حتى المشاركة في مساومتهم حول الأتعاب ؛ و بينما انصرف لتجفيف دموعه علق الأستاذ حقي و هو محام أيضا ، قائلا : - أقبح ما في الإنسان تسلطه أينما تتاح له الفرصة بدءا من العلاقة الزوجية و انتهاء بعلاقات الأمم ، و أسوؤها جميعا مسألة العبودية التي أعتبرها وصمة عار في جبين الإنسانية و هي للأسف مستمرة حتى اليوم بشكل أو بآخر . فرد عليه الأستاذ رمزي مصححا : - عفوا ، أخي حقي ؛ أود أن أنوه لك بأن شعنوثتي لم تكن تعالج مشكلة العبودية فهي مشكلة ربما تزول يوما ، إنما قصدت العنصرية و هي أسوأ بكثير و يعاني منها جيلنا ، إنها بالتحديد مشكلة عنصرية الرجل الأبيض الذي ينظر إلى الآخرين نظرة فوقية . هنا قاطعه راشد أفندي و هو يفجر قهقهة جديدة ، قائلا : - الحمد لله أنني لست ملونا مثل بعض جماعة ! و وجه نظره نحو رؤوف بك الذي رد عليه بغضب مصطنع : - ماذا تقصد يا رذيل ؟ - تأججت نوبة الضحك و انتقلت إلى الآخرين و إذ هدأت بعض الشيء علق الأستاذ رمزي موجها كلامه إلى راشد أفندي : - لا تغتر ببشرتك البيضاء و شعرك الأصفر فلو ذهبت لتعيش في ألمانيا أو أية ولاية أمريكية جنوبية ، لاضطهدوك كما يضطهدون الزنوج ، فللرجل الأبيض عندهم مواصفات شكلية و سلوكية إذا انطبقت الأولى عليك فإن الثانية لا تنطبق ؛ نحن من الشرق الأوسط و نعتبر بالنسبة إليهم مهجنون . فعلق راشد أفندي مستمرا بضحكه : - يعني بصريح العبارة (بناديق)* ! بعد هدوء عاصفة الضحك الجديدة علق رؤوف و قد ذوى حاجبيه : - ألا ما أحقر الإنسان في تسلطه و ما أحقره في خنوعه ! أجابه حقي بك : - الحقيقة المرة أنهم ملكوا أسباب الحضارة و هذا هو سر تفوقهم . فابتدره رمزي معترضا : - بل قل امتلكوا أسباب القوة التي استخدموها في امتصاص خيرات الشعوب فمنذ انهيار الأندلس و هم يملؤون خزائنهم بذهب أمريكا الجنوبية و ماس جنوب أفريقيا و توابل الهند و بترول العراق و السعودية . إنها حضارات طفيلية لا تفقه سوى مقولة المصالح و لا تتعامل إلا بلغة المدفع ؛ و لكن أعود فأقول إنها مشكلة الإنسانية فلو كنا في موقعهم لفعلنا الشيء نفسه ، ألم نستعبد غيرنا ذات يوم ؟ فلولا صراعاتنا القبلية ربما كنا نحن الذين نمثل دور الرجل الأبيض اليوم ؛ إنها مشكلة الإنسان الذي لم يستطع قط التسامي على حيوانيته و غرائزه رغم جميع مظاهر المدنية التي يتبجح بها ، و تبلغ حيوانيته أقصى تجاوزاتها حين تزعم بعض الجماعات أنها أرقى من غيرها ، و أنها أجدى منها بالبقاء ، و يتساوى في ذلك شيوخ القبائل و بعض أساتذة الجامعات ، فنظرية هتلر حول تفوق العنصر الجرمني و أحقيته في قيادة العالم ، ولدت في الجامعات الألمانية على أيدي بعض أساتذتها و هذا ما جعلني أشبه البشر ، كل البشر يا راشد أفندي بالقطعان ؛ ذئاب تتربص بذئاب ، و ذئاب تتربص بحملان ، و حملان تتربص ببعضها بعضا ، و لا تخرج كلها عن كونها قطعان حيوانات ؛ تلك خلاصة ما هدفت إليه من شعنوثتي . و هنا أدلى الأستاذ عبد الباقي، برأيه مؤيدا : - أنت تقول الحق يا أستاذ رمزي و نحن نشاهد في حقل المحاماة كل يوم أمثلة حية على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، كالأخ الذي يحاول اغتصاب ميراث شقيقاته ، و الزوج الذي يلفظ زوجته لفظه لحذائه القديم ، و الأب الذي يتخلى عن أطفاله كمن يتخلى عن كلابه أو قططه ؛ لقد نطقت بالحق يا أستاذ رمزي و إنك لفيلسوف أكثر منك شاعرا . و هنا انفجر راشد ضاحكا من جديد فسأله الأستاذ بشيء من الغضب : - ما المضحك في كلامي يا راشد أفندي ؟ فأجابه و هو يحاول كبح جماح جلجلته : - أستغفر الله ، إنما أضحكتني كلمة فيلسوف . و هنا انتقلت عدوى الضحك إلى الآخرين و إذ هدؤوا علق الأستاذ معاتبا : - الله يسامحك ، الفلسفة يا راشد أفندي هي أرقى العلوم بل يصفها بعضهم بأنها علم العلوم ، و هي غير الفلسفة التي تظنها حضرتك و التي ارتبطت في أذهان البعض بالسفسطة و المناقشات البيزنطية التي لا تبلغ قط أي هدف . و مع فتور الاعصار الضاحك تنبه الحضور إلى اقتراب الليل من منتصفه فأخذوا ينسحبون الواحد تلو الآخر . ====================== *بناديق : مهجنين بين عرقين مختلفين |
|
04-Dec-2010, 03:03 PM | #2 |
عضو مميز
|
رد: أصدقاء الأستاذ .. ؟؟
يسلمووووو ع المووضوع والقصه
شاكره لك |
استودعتُ الله اجمّل اشيائَي وسر سعادتيَ ومبسم شفتاي فمن اودعَ جل امره لله فلنْ يخيب ّ..
|
04-Dec-2010, 03:55 PM | #4 |
تألق مستمر
|
رد: أصدقاء الأستاذ .. ؟؟
يعطيك العاااافيه ...
جهد تشكررر عليه .. تحيااااااتي لك .. |
الحمدالله على كل حال ....
|
04-Dec-2010, 05:55 PM | #5 |
عضو مميز
|
رد: أصدقاء الأستاذ .. ؟؟
رااائـــع مااطرحته...
أشكررك فعلآ قصة راائــعه.. ودي وســلآمي... يمـــ دروبي ـــك... |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الجميع ) الأعضاء الذين قرأوا الموضوع هم : 8 | |
, , , , , , , |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
شكر وتقدير وعرفان لمجهودات مدير الموقع الأستاذ فلاح بن مناور المهيمزي | إدارة المنتدى | ◄ أخبار القبيلة في الوطن العربي ► | 35 | 24-Jan-2012 07:07 PM |
لنبقى أصدقاء MMs | عُزلة حرفْ | ◄ منتدى التصميم والجرافيكس ► | 11 | 18-Jul-2011 12:45 AM |
فضي البراك بضيافة الأستاذ علي بن حماد الجريشي | إدارة المنتدى | ◄ التغطية الإعلامية لمحافل ومناسبات القبيلة ► | 27 | 09-Feb-2011 03:07 PM |
أصدقاء لايتسحقون الصداقة !! | فيصل | ◄ المنتدى العــام ► | 4 | 02-Nov-2010 09:58 PM |
الف مبروك الآستاذ / عبد الواحد الرشيدي معيدآ بجامعة الجوف | لافي بداي | ◄ أخبار القبيلة في الوطن العربي ► | 8 | 09-Oct-2010 03:06 PM |