12-Dec-2010, 10:36 AM | #1 |
عضو متألق
|
شروق وغروب .. ؟؟
شروق وغروب .. ؟؟
كان صيفاً من فصول أزمنة جافة، متعبة، حارقة، غادر زوجها الحياة بعد صراع مرير مع المرض، وبقيت مكبلة بالبؤس، منديلها مضرج بالدمع، فمنذ رحيله وهي تحترق وتذوب مع الأنين. كيف ستنقذ نفسها؟ كيف تمتلك مقدرة تسد بها نافذتها السوداء التي ينسكب منها هواء الفقر بلا هوادة؟ ماذا تفعل في كوخها الذي جردته السنوات الطويلة ومتطلبات الحياة؟ كيف تعيش من بعده وهي غريبة عن هذه القرية؟ كل تلك الأسئلة كانت تدور على ألسنة الناس، ولكن أحداً منهم لم يمد لها يد العون. حين بدات المواجهة بين نفسها وأفكارها، أعدت نفسها للرحيل النهائي، وفي الصباح لملمت ثيابها وسافرت إلى المدينة الكبيرة، سافرت وهي تحمل على كتفيها المثقلتين بالعذاب اثنين وثلاثين عاماً من الحسرة، سافرت وأمامها آلاف الأحلام التي تمنت فيما مضى أن تحققها. كان "درويش" منهمكاً في البيع والشراء، وقبل أن يغلق محله التفت يميناً، فانطبعت في عينيه صورة امرأة تتكوم في الزاوية المقابلة، تمسح عبراتها المراقة، تضم ابنها الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات إلى صدرها بحب كبير، وبعاطفة قوية مضاعفة، وبين لحظة وأخرى ترسل نظراتها نحو السماء. خطا نحوها متّئداً، وقف أمامها وراح يتفحصها، ثمّ قال وقد بدا الاهتمام على وجهه: - ماذا تفعلين هنا يا أختي؟ ولمَ تبكين؟ - غريبة وفقيرة أنا.. هدني التعب فجلست لأستريح قليلاً. طلب منها أن تتبعه، وبعد تردد استجابت لرغبته وراح يستمع إليها: - وصلت إلى هذه المدينة منذ خمس ساعات أو أكثر.. وأنا أحمل على كتفي ولديَّ هذا وها قد حل المساء ولا أدري ماذا أفعل، فقريتي بعيدة وها أنا وولدي محاصران بين فكي الغربة والجوع والخيبة والآلام. - سألها عن المكان الذي جاءت منه. - هناك في البعيد، في أطراف البلد تنام قريتي. - سألها: لماذا تركت القرية التي تنام في أطراف البلد وحضرت إلى المدينة؟ - إنّ البؤس العائم فوق حبة القلب هو السبب. سألها عن المكان الذي تنوي الذهاب إليه. - لا مكان محدد ليَّ، وأنا أريد لقمة العيش.. لقد نفذت نصيحة ناصح وأتيت إلى هنا، قال ليَّ بعد أن توُفي زوجي: اذهبي إلى المدينة يا ابنتي وهناك ستجدين الراحة والأمان، وها قد جئت وأنا مثقلة بعذابي. كان يصغي إليها بكل حواسه، ولأنّه لا يحب أن يرى جائعاً أو مظلوماً أدخل الشمس في عينيها. وبما أنّ زوجته سيدة فاضلة وتشبهه في الكرم وحبّ الآخرين، قبلت وبكل رحابة صدر أن تظل هي وابنها في بيتها بعد أن أخبرها بحكايتها. لم ينجب البقال "درويش" غير "أسعد" الذي يكبر "حسام" بسنة ونصف السنة. مرّت الأيام وهم يعيشون في محبة وكأنّهم أسرة واحدة، لكن "أسعد" لم يكن يحب "حساماً" أبداً، وكان كل يوم يسخر منه لأتفه الأسباب رغم توبيخ والده له، وكثيراً ما كان يضربه دون سبب يُذكر، أما هو فكان لا يكن له إلا الحب. بعد أن انتسب "أسعد" إلى الجامعة بثلاثة أشهر، توفي والده، وترك له ثروة كبيرة، ولكن ما أن جاء اليوم التالي حتى تغيّر كل شيء. وحشياً وغريباً كان تحوله تجاه أُمّه، وتجاه المرأة وابنها، لكنّه سرعان ما تهشم وانهزم في غمرة الأيّام العاتية. بعد خمسة أشهر من وفاة الأب، توفيت الأُم وتركته وحيداً يفعل ما يريد. عشرون عاماً أو أكثر والمرأة لا تهدأ.. تظل كلّ الوقت في عمل متواصل خادمة لأسعد، تعتني به أكثر من ابنها، وفي النهاية يكون الطرد من نصيبها. ظلّ "أسعد" يسهر في الملاهي والبيوت المشبوهة، يقضي أسبوعاً في مدينة، وأسبوعاً في مدينة أخرى، وكان قد تخلى عن دراسته الجامعية، وكان دائماً يضحك ويقول لمن حوله: "إنّ هذه الطاولة أفضل من كل جامعات العالم"! أمّا "حسام" فقد ابتدأ مرحلة جديدة من حياته، منذ صغره وهو يحلم بأنّ يكون مثل الحاج، فلا معنى لإنسان لا يحلم، استقل في بيت يخصه وحده، واستمر في دراسته حتى تخرج في كلية التجارة، وكان "درويش" قد ترك له ولأُمّه مبلغاً من المال – أودعه باسمه في البنك – استطاع به أن يفتتح محلاً تجارياً لبيع المواد الغذائية، فصارت ثروته تزداد خلال سنوات قليلة، والخير ينهال عليه حتى بات أشهر تاجر في البلد بعدما دخل عالم التجارة برأسمال قليل. أمّا "أسعد"، فقد أصبح على وشك الإفلاس، لأنّه لم ينتبه إلى ثروته وهو يبددها على طاولات القمار وعلى رفاق السوء. صار ضائعاً، وحيداً في العراء، وها هي الشوارع تفتح له ذراعيها، تحتضنه ببرودتها، وتقدم له أفضل ما لديها من وجبات الجوع والتشرد، وكثيراً ما طرق أبواب رفاقه، لكن الأبواب كانت دائمة موصدة في وجهه، فلم يجد أمامه غير طريق السرقة، وراح يسرق أي شيء ليشرب الخمر، ظل يسرق حتى وقع في قبضة الشرطة وهو يسرق خاتماً من أحد محلات الصياغة. أمّا "حسام"، فلم يكن يعرف عنه أي شيء، فقد مرّت خمس سنوات دون أن يراه أو أن يسمع عنه شيئاً، باستثناء تلك المرّة التي زاره فيها للإطمئنان عليه، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، لكنّه أوقفه أمام الباب الخارجي وقال له ساخراً: - مَنْ أنت حتى تسأل عني؟.. إياك أن تأتي إلى هنا مرّة أخرى، أتسمع؟ - حين علم حسام من أحد أصدقائه بأمر "أسعد" لم يتأخر بالذهاب إليه هو وأُمّه. - بعد أن خرج من السجن، بقي "حسام" إلى جانبه إلى أن تأكد مَنْ أنّه أصبح رجلاً سوياً، ولم تمر أيّام قليلة حتى استرجع له بيته الذي كان قد رهنه، ثمّ فتح له الفضاءات وقال: فما كان من أسعد إلا ارتمى في حضنه ومن ثمّ في حضن أُمّه وهو يذرف الدموع ويقول بأسى بالغ: سامحوني. |
|
14-Dec-2010, 04:49 PM | #2 |
عضو مميز
|
رد: شروق وغروب .. ؟؟
يعطيك العافيه
شاكره لك كلمااااااااااااات رااااااااااااائعه ومعبرره |
استودعتُ الله اجمّل اشيائَي وسر سعادتيَ ومبسم شفتاي فمن اودعَ جل امره لله فلنْ يخيب ّ..
|
14-Dec-2010, 06:41 PM | #4 |
مستحيل أنساكـ
|
رد: شروق وغروب .. ؟؟
لاحول ولا قوة الا بالله
صدق قلوب قويه لا تعليق مشكور اخوي بو غالب تحياتي وخالص تقديري وحترامي |
♥♡♥♡♥
♥♡♥♡♥ |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(عرض الجميع ) الأعضاء الذين قرأوا الموضوع هم : 4 | |
, , , |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
وظائف تعليمية شاغرة بمدارس شروق المعرفة للبنين بالرياض | محمد المهيمزيـ | ◄ المنتدى الإعــلامي ► | 0 | 14-Oct-2009 02:31 PM |